منذ العصر الرسولى وانتشار المسيحية فى كثير من المدن والأقطار وايمان الكثير من الناس ، إذ يقول سفر الأعمال : " وكان الرب كل يوم يضم الى الكنيسة الذين يخلصون " (أع2: 47) . وكانت الكنائس تبنى وتسير فى خوف الرب ، فيقول معلمنا لوقا فى سفر الأعمال أيضاً : " وأما الكنائس فى جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام وكانت تُبنى وتسير فى خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر " (أع9: 31) .
عرف المسيحيون مركز الصليب ، وفاعليته فى حياة المؤمن ، فرتب الرسل القديسون بارشاد الروح القدس ، أن يكون الصليب أساسى فى خدمة جميع الأسرار . لما له من فاعلية ، فيصبح للسر قوة المصلوب التى تعمل فى الشخص الذى ينال بركة السر .
الصليب وسر المعمودية :
السيد المسيح له المجد اكتنز فى هذا السر فاعلية صلبه وموته وقيامته إذ يقول معلمنا بولس الرسول فى رسالته الى أهل رومية : " نحن الذين متنا عن الخطية كيف نعيش بعد فيها . أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته . فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن فى جدة الحياة . " (رو6: 2-4 ) .
فالروح القدس الذى كان يرف على وجه المياه وأعطى الخليقة الحياة ، فى بداية خلقة العالم ، هو بعينه يعطى ماء المعمودية قوة لكى يولد المسيحى المؤمن ميلاداً ثانياً روحياً جديداً . وهذا الميلاد الروحى الذى من فوق وضحه السيد المسيح له المجد فى حديثه مع نيقوديموس قائلاً له : " المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح " (يو3: 16) .
فيصيرالمعمد بهذا الميلاد الثانى ، ابناً للآب السماوى فى المسيح بعمل الروح القدس .
والمعمد بميلاده الجديد ترجع إليه الصورة الإلهية مرة أخرى التى فقدها آدم بمخالفة الوصية وتشوهت بالخطية .
ولما كان سر المعمودية هو السر الوحيد الذى يغمر الكاهن الصليب فى مادته . والصليب له أثره الظاهر فى خدمة قداس المعمودية كما يلى :
[1] عندما يبدأ الكاهن صلاة قداس المعمودية يأخذ الزيت الساذج
ويسكب منه فيها على مثال رسم الصليب .
[2] لتقديس الماء يأخذ الزيت المقدس ويسكب منه فى جرن
المعمودية ثلاث مرات بمثال الصليب .
[3] بعد نفخة فى الماء ثلاث مرات برشم الماء ثلاث مرات
بالصليب .
[4] وبعد صلاة آجيوس يرشم الماء بالصليب ثلاث مرات .
[5] يأخذ الكاهن الميرون ويسكب منه قليلاً فى المعمودية مثال
الصليب ليتقدس الماء .
فلذا يخرج المعمد بعد ولادته الجديدة ، لابساً الصليب . فان كانت المعمودية بالصليب هى موت المعمد مع المسيح عن الخطية ، كذلك هى ارتقاء المعمد الى السماء حاملاً الصليب فى جسده .
سر الميرون :
ينال المعمد سر الميرون بعد المعمودية مباشرة ، وهو سر المسحة ، أو سر التثبيت .
ففى سر المعمودية يحل الروح القدس على الماء فيقدسه لنوال نعمة الميلاد الثانى ، ليصير المؤمن ابناً لله ، ومن قطيعه المقدس الذى اقتناه بدمه على الصليب ليرث الحياة الأبدية .
وفى سر الميرون يحل الروح القدس فى المؤمن للإمتلاء .
الكاهن فى سر الميرون يمسح جسم الطفل بمثال الصليب ويرشم على مختلف أعضائه بالميرون المقدس ستة وثلاثين صليباً ، للتقديس فيصير هيكلاً مقدساً لسكنى الروح القدس فيه .
فهو يختم المؤمن بالميرون بشكل صليب على جبهته ، وعينيه وأنفه وفمه وأذنيه ، ثم القلب ، والسرة ، والظهر و الصُلب . ثم ذراعيه ، وساقيه ، ويقول " أدهنك يا فلان بدهن مقدس" باسم الآب والابن والروح القدس . ثم يرتدى المعمد الثياب البيضاء . ثم يشد وسط المعمد بزنار كمثال الصليب .
أننا قد رُشمنا بالميرون المقدس بمثال الصليب لنبارك الرب فى كل حين ، ونسبح قيامته ، لأنه من قبل الصليب قد أمات الموت بموته . ونشهد أنه قام من الأموات وصعد إلى السموات ، وأرسل لنا الروح القدس المعزى ليثبت فينا .
ان رشم المعمد بالميرون بمثال الصليب هو تعهد المسيحى المؤمن أمام الرب أن يصير تلميذاً حقيقياً للرب ويحمل الصليب كل يوم ويتبعه شاهداً للرب بحياته . فالصليب هو رمز إيماننا ومحور حياتنا ، التى نعيشها على الأرض فى جهاد مستمر ، قابلين الألم كشركة مقدسة مع المسيح لننال اكليل المجد المعد لنا .
سـر التـوبة :
بالمعمودية ننال العتق من عبودية الخطية ، وبالمعمودية ننال الخلاص ، وننال التبنى . ونحن فى غربة هذا العالم نجاهد ضد شهوات الجسد ، وفى حرب دائمة مع ابليس وجنوده ، وأيضاً نجاهد ضد اغراءات العالم وسرابه الخادع .
وفى جهادنا اليومى والدائم معرضين للسقوط فى الخطية . بسبب الضعف البشرى والتراخى والكسل وفى لحظات التوانى فى الجهاد . ولكن الكنيسة وضعت لنا سر التوبة والاعتراف .
فى التوبة العزم على ترك الخطية ومكانها ، والحزن والندم عليها والاقرار والاعتراف بها . ثم السلوك حسب وصايا الانجيل .
وفى الاعتراف ، جلسة مع النفس لمراجعتها ومحاسبتها .
" فاذكر من أين سقطت وتب واعمل الأعمال الأولى " (رؤ2: 5) .
ثم جلسة مع الله للاعتراف بكل الخطايا ، وطلب مراحم الرب ، ثم الذهاب إلى الأب الكاهن ، وبعد أن يقر المعترف بكل خطاياه ، ويعترف بكل آثامه . بندم وانسحاق ، لتجديد الحياة مرة أخرى يضع الأب الكاهن الصليب على رأس المعترف ، ويقرأ له التحاليل الثلاثة لينفض عنه تراب العالم الذى سقط على ثوب العريس ويستعيد نقاوته ، وطهارته ، ويكون مهيئاً للتناول من جسد الرب ودمه الأقدسين ، ليثبت فى المسيح مجاهداً بالصلاة والصوم ، فيحفظ نفسه ويبقى بلا عثرة .
ان وضع الصليب على رأس المعترف يكون بمثابة اعلان وتعهد منه ، بل أيضاً قبول منه بأن انسانه العتيق قد صلب : " عالمين هذا أن انساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كى لا نعود نستعبد أيضاً للخطية . " (رو6 : 6) . وأنه مستعد لاحتمال الصليب مستهيناً بالخزى وصلب الجسد مع الأهواء والشهوات . كما يقول معلمنا بولس الرسول فى رسالته الى أهل غلاطية : " ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات " . (غل 5 : 24)
لتصبح النفس المعترفة عروساً للمسيح ، وتحفظ نفسها فى نقاوة كالعذارى الحكيمات ، فى الايمان ، والرجاء ، والمحبة .
وتستعد بمصباحها المملوء بزيت كلمة الحياة الذى يغذى العقل والروح وبأعمال صالحة هى ثمر الروح ، وتكون مستعدة للقاء عريسها بسراج النفس المضئ وآنية الزيت القلب المملوء صلاحاً
حينما يأتى فى نصف الليل . تخرج مترنمة بقدومه للدخول إلى العرس السمائى ، بفرح وبهجة وتسبيح .