كيف أعد الله العالم للتجسد
الأنبا موسى ألأسقف العام
كان الرب قد وعد آدم عقب السقوط مباشرة بمجئ السيد المسيح من نسل المرآة لكى "يسحق رأس الحية" (تك 15:3).
وأخذت الأجيال تتعاقب فى انتظار ذلك المخلص الموعود. إلى أن جاء "ملء الزمان" حين "أرسل الله أبنه مولوداً تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس" (غل 4:4) فما معنى "ملء الزمان"؟ معناه الوقت الذى كان قد جهز الرب فيه العالم لإستقبال المخلص. وقد كان هذا التجهيز يشمل نواح كثيرة منها:
1- الناحية الدينية :
كان اليهود قد رجعوا من سبى بابل فى بابل فى القرن الخامس قبل الميلاد، وفى أعماقهم إحساس الندم على خطاياهم وعبادتهم للأصنام، ونية التوبة التى أظهروها أمام عزرا ونحميا من كل قلبهم، وتعاقبت الأيام، وجاء الاحتلال اليونانى لأورشليم فى صورة أنطيوخس ابيفانوس الذى كان يكره اليهود ويريد إبادة اليهودية، لكن كاهنا يدعى متياس تصدى له جامعا شعبه وقائداً لثورة شهيرة تدعى "ثورة المكابين" استطاعت أن تنتصر على الإحتلال اليونانى وتطهر الهيكل مؤسسة "عيد التجديد" الذى حضره السيد المسيح فيما بعد (يو 22:10). ولما تطهر الشعب من عبادة الاصنام أنجب لنا العذراء الطاهرة القديسة مريم، الممتلئة نعمة والتى أستحقت لقداستها واتضاعها أن تكون أما للمخلص.
كذلك ساهمت ظروف اليهود الصعبة فى ذلك الوقت فى تأسيس جماعات منهم فى أنحاء العالم، ومجامع انتشرت فى أرجاء المسكونة حتى أن يعقوب الرسول قال: "إن موسى له فى كل أمة من يكرز به" (أع 21:15)، وهذا الانتشار كان أساساً طيباً لانتشار المسيحية فيما بعد.
كما أن ملكاً حكيماً يدعى بطوليمس فيلادلفيوس طلب من شيوخ اليهود ترجمة العهد القديم إلى اليونانية، وذلك فى القرن الثالث قبل الميلاد (285 - 247 ق.م.) فقام إثنان وسبعون شيخاً بهذا العمل المجيد وظهرت للوجود "الترجمة السبعينية" وأنتشرت فى كل أنحاء العالم. وهى الترجمة التى اعتمدها الرب يسوع والآباء الرسل اذ اقتبسوا منها آياتهم. وقد كانت تمهيداً مناسباً لمجئ السيد فى كل العالم.
ولا ننسى ذلك الأنين الواضح فى قصص وتاريخ الأمم المختلفة قبل مجئ المسيح، والذى يعبر عن شوق حار لمجئ مخلص ينقذ البشرية من الهلاك.
2- من الناحية السياسية :
كانت الإمبراطورية الرومانية قد سيطرت على العالم كله مما أدى إلى نوع من الاستقرار السياسى والاجتماعى الذى يناسب البشارة المسيحية، بل أن الإمبراطورية الرومانية نشرت القانون وعبدت ومهدت الطرق لتكون مناسبة لرحلات الكرازة المختلفة فى الشرق والغرب. لم تعد هناك عصابات قطع الطرق، ولا الحروب الإقليمية الصغيرة لفترة طويلة، مما ساهم فى نشر المسيحية.
حقا لقد اضطهد أباطرة الرومان المسيحية، ولكن هذا الاضطهاد كان حافزاً مباركاً لمزيد من الانتشار والعمل.
3- الناحية اللغوية :
أنتشرت اللغة اليونانية فى كل أنحاء العالم منذ أيام الإسكندر الأكبر... وقد نجح الاحتلال اليونانى فى نشر هذه اللغة... كما تمت ترجمة الكتاب الى اليونانية... وهذا سهل للرسل الكرازة فى أنحاء العالم ذى اللغة الواحدة تقريباً، وبخاصة وأن الثقافة والفلسفة اليونانية كانت قد مهدت الطريق للمسيحية حين بدأت تبحث فى الحقائق العظمى: الله، الانسان، الكون، الوجود، الأخلاق... وما إلى ذلك.
وهكذا قام كل بدوره :
اليهود قاموا بالدور الدينى ... واليونان قاموا بالدور الثقافى ... والرومان قاموا بالدور السياسى والعملى.
وبدأت المسيحية بواسطة جماعة من الصيادين والبسطاء، بلا سلاح ولا مال، بل بإيمان يقهر الجبال، واستطاعت فى ظرف سنوات قليلة أن تسبى العالم كله الى شخص المسيح الذى بذل نفسه من أجلنا.
هذا ما قام آباؤنا الرسل، فما هو دورك يا أخى الحبيب؟! هيا لنخدم جميعا وسط اخواتنا المحتاجين الى كلمة الحياة لنجهز للرب شعبا خاصا غيورا فى أعمال حسنة! هيا نمهد القلوب لمجئ المسيح وسكناه فى داخلنا!
تطبيق :
أن كان الله قد أعد العالم لميلاده المجيد، أفلا ينبغى أن نجهز قلوبنا الآن لإستقبال عيد الميلاد؟ كيف؟ سؤال للمناقشة يجيب عليه الشباب.
السبت يناير 17, 2009 9:18 am