(ج) الانطباعية:
ماذا نقصد بالانطباعية؟
الانطباعية هي أن يحكم المرء على الأمور والقضايا حسب ما يترائي له من الخارج دون جهد حقيقي يبذل للدخول إلى العمق والجوهر، وعليه يصير حكم المرء في هذه الحالة (حكماً انطباعياً) أي حكم قائم على الانطباع وليس الموضوعية.
ملامح الانطباعية في حياتنا اليومية:
أن المتأمل لتفكير وسلوك الكثير منا في الحياة اليومية يجد سيادة المنهج الانطباعي، ففي الحياة كثيرة - مثلاً نحكم على شخص ما إيجاباً أو سلباً حسب ما يوحي به لنا شكله الخارجي .. فنقول: "فلان ظله ثقيل" لمجرد أنه هادئ، وقليل الكلام وقد يكون العكس هو الصحيح. وفي حقل الخدمة نجد البعض يحكم على اخوته انطباعياً بأنهم روحانيون أو غير روحانيون من مظهرهم الخارجي دون الدخول إلى العمق من خلال علاقة أخويه حية.
وما ينطبق في حالة الحكم على الأشخاص ينطبق أياً في حالة الحكم على الأمور والموضوعات والقضايا .. فنجد مثلاً البعض يحكم على جهد ونشاط آخرين بأنه جهد لا طائل له رغم حيويته وأهميته ذلك لأن هذا الجهد قد لا يكون متفقاً معه أو لم يبذل جهداً حقيقياً لمعرفة طبيعته وآثاره وفوائده.
أسباب الانطباعية:
هناك عدة أسباب تؤدى بالمرء أن يتبنى منهجاً انطباعياً في الحكم على الأمور والأشخاص وذلك كما يلي:
(1)الفرق في الذاتية والتحيزات الخاصة:
أن الشخص الذي لا يري ولا يؤمن ألا بذاته أي يكون أسيراً لها كذلك اعتزازه شديد ببنائه الفكري فإنه لا يكون حريصاً بالقدر الكافي على تفهم الآخرين أو التعمق في القضايا وعليه يقع في فخ الانطباعية القائمة على السطحية.
(2)الانقياد الدائم للعاطفة:.
أن الشخص الذي يسلم قيادة حياته للعاطفة دائماً بحكم في الأمور بوجدانه ومشاعره من خلال مجموعة الانطباعات التى تحدد موقفه من الأشخاص والقضايا لذا فإننا نجد البعض لا يدقق كثيراً في الاختيار بين البدائل عند الاختيار بين فرصتين للعمل مثلاً - حيث يتم الاختيار لا عن دراسة وإنما حسب الانطباع نجد أيضاً ذلك يتكرر أيضاً عند اختيار شريك الحياة حيث يتم الاختيار بناء على الانطباع الخارجي.
(3) فقدان الرؤية والمنهج:
لا شك أن الإنسان الذي يتبنى رؤية ومنهج في حياته تكون لديه القدرة بالضرورة على ضبط موافقة ووجهات نظره وأحكامه، وغيبة المنهج والرؤية تعني الجموح (أم18:29) أي الأحكام المتعجلة والسطحية والانطباعية التي لا تقوم على أساس موضوعي.
(د) التعميم:
ماذا نعني (بالتعميم)؟
التعميم هو تلك النظرة المطلقة للأمور والتي يعتمد فيها المرء على إطلاق حكم عام وإجمالي على أمر من الأمور دون التعمق فيه وفهم خصوصيته والإطار الزمني والموضوعي الخاص به.
مظاهر التعميم في حياتنا اليومية:
أزعم أن التعميم من اكثر سمات التفكير غير السليم ممارسة في حياتنا اليومية وبنظرة سريعة على ما يدور حولنا يتأكد لنا ذلك فمثلاً: نجد إنساناً يحكم حكماً عاماً على أن شباب هذا العصر يتسمون بعدم الصبر والعجلة. ربما يكون هذا الإنسان قد صادف شباباً من هذه النوعية ولكن لا يمكن تعميم الخصوصية التى أتسم بها هؤلاء على كل الشباب أو في إسقاط التحيز الخاص لهذا الإنسان في صورة حكم عام مطلق.
وفي نفس الوقت فإنه وحتى لو افترضنا جدلاً صحة هذه المقولة وهى أن شباب هذا العصر غير صبور ومتعجل فإنه علينا أن نضع هذا الحكم في إطاره الموضوعي والزمني الصحيح بمعني أن العصر الذي نعيش فيه يتسم بالسرعة والتغير المطرد في كل شئ وعلى كل المستويات، وبالتالي فإنه ينبغي أن يكون حكمنا على شباب هذا العصر في هذا الإطار. فسمات العصر تعكس نفسها على كل منا - ولا شك - ومن ثم تصبح القضية أذن هي قضية إيقاع الشباب المتناسب شكلاً وموضوعاً مع العصر أكثر منها تعجيل أو عدم صبر وفي هذه الحالة يتم تصويت الرأي العام ويصير أكثر دقة كما يلي:
نعم عصرنا السرعة وينعكس ذلك على الشباب بمقدار متفاوت حيث يتأثر بعضهم بذلك ولكن هذا لا يمنع من وجود آخرين لديهم القدرة على التعامل مع العصر بشكل متوازن..
أصدقائي أن تناولنا لهذه القضية وقضايا أخرى كثيرة في ضوء ما حاولنا إيضاحه سابقاً سوف يكون من شأنه تغيير نظرتنا للأمور ونتجنب الوقوع في فخ التعميم الذي يتسم غالباً بعدم الدقة وعدم التعمق وإسقاط تحيزاتنا الخاصة في رأي عام. بل تكون آرائنا وأفكارنا دقيقة ونتائج فحص ومتجردة من أي هوى.