( أ ) التحيز:
تعريف التحيز الفكري:
من أهم سمات التفكير غير السليم واشدها خطراً سمة "التحيز الفكري" والتحيز الفكري هو ذلك الأسلوب الذي يمارسه الشخص في التوحد بأفكاره وآرائه بدرجة شديدة جداً إلى الحد الذي يجعله لا يرى غير أفكاره وآرائه ولا يتصور وجود أفكار وآراء أخرى من المحتمل أن تكون أفضل مما يطرحه هو، كل ذلك من منطلق أنه يملك الرأي الحق.
مظاهر التحيز الفكري: وللتحيز الفكري مظاهر يمكن أجمالها فيما يلي:
(1) النظرة الأحادية:
أن الشخص المتحيز فكرياً عادة ما يكون ذا نظرة أحادية أي أنه ينظر للأمور من جانب واحد هو الجانب الذي يتفق مع ثقافته وتكوينه الفكرى، غير مدرك أن للأمر الواحد جوانب متعددة. فمثلاً نجد البعض يري أن السبيل لحل المشكلة الاقتصادية يمكن في السفر إلى الخارج ويحاول آخرون إقناعهم بأنه يمكن حل هذه المشكلة بطرق ووسائل أخرى علينا تجربتها أولاً قبل اللجوء لفكرة ولكننا جد هؤلاء المنحازين قد توحدوا تماماً بفكرة السفر واصبحوا يبشرون بها ولا يرون غيرها خلاً للمشكلة الاقتصادية.
ورأيه وإذا ما حاول محاوروه تقديم أفكار أخرى أو إبداء الرأي فإنه لا ينصت على الإطلاق بل يعيد ما سبق أن قاله مرة أخرى دون أدني تأثير بما قيل محاوريه وهكذا يصير الحوار من طرف واحد.
(2) ردود الفعل العنيفة:
في أحيان كثيرة إذا ما لاقي "المتحيز فكرياً" مواجهة من الآخرين فإنه يتوتر وينفعل وقد يحتد ويصف من خالفوه بأنهم لا يفهمون وفي حالة ما إذا كان له سلطان عليهم فإنه قد يستخدم هذا السلطان لضررهم إيماناً منه بأنه وحده يملك الرأي الحق.
لماذا التحيز؟
لاشك أن الشخص الذي لم يتعود الانفتاح الفكري منذ وقت مبكر والذي لم يمارس القدرة على اختبار الأفكار والمفاهيم والآراء المختلفة فإنه من الصعب عليه إلا يتحيز فالتحيز يعني أنه يتبني فكرة أو رأي غالباً أملي عليه من فوق بحيث لا يجتهد في محاولة نقد ما يتبناه أو رؤية ما يمكن أن يثريه. لذا فإنه من النادر أن نجد شخصاً يتسم بالتحيز الفكري يقبل ما هو جديد بسهولة، فما يتحيز له من أفكار وأراء يحميه ويؤمنه ضد كل ما هو جديد مفيداً وجيداً لذا فإن الشخص المتحيز فكرياً تسيطر عليه أفكاره إلى حد كبير.
(ب) الإيحاء:
ماذا نعني بالإيحاء؟
ويقصد بالإيحاء ذلك الأسلوب الذي يعتمد عليه المرء لإقناع الآخرين بأفكاره وآرائه لا عن طريق منهجي مقنع مقدماً أسباب وأبعاد ما يطرحه وإنما يستخدم أساليب شكلية مبهرة ومؤثرة لتسريب أفكاره للآخرين وهذا ما يسمي الإيحاء.
أشكال الإيحاء:
(1) استخدام المؤثرات الحسية والجمالية:
إن الشخص الذي يستخدم الإيحاء أسلوباً لتمرير أفكاره للآخرين نجده دوماً يعتمد لا علي المنهج الفكري المنظم والسليم بل علي المؤثرات الحسية والجمالية المبهرة مثل:
- التلوين الصوتي - الجمال اللفظي - التأثير النفسي - التكرار الكلامي المتنوع.
ويتساوى الشخص الذي يعتمد على المؤثرات الحسية الجمالية تماماً مع الذي يروج لسلعة من السلع من خلال الإعلان حيث نجد صاحب الإعلان يستخدم الموسيقي والتراكيب اللفظية الملفتة، سهلة الحفظ، والترديد مستخدماً أسلوب أفعل التفضيل في الترويج لسلعته واصفاً إياها بأنها: الأقوى، والأجمل والأحسن… الخ كل ذلك دون أن يتطرق المعلن إلى جوهر المنتج، وأسباب تفوقه على المنتجات الأخرى، بحيث يقنع المستهلك بحق بالدليل العملي والبرهان الحي ولا يكتفي بالأسلوب الموحي والمبهر الذي يعتمد على الحس فقط.
ولعل من ابرز الأمثلة التى يمكن التدليل عليها في هذا المجال من يريد أن يغري شخصاً بممارسة خاطئة فإنه يعتمد على الإيحاء أكثر من التدليل العقلي كما في حالة تشجيع شخص على الإدمان.
كذلك هؤلاء الوعاظ الذين ينتهجون منهجاً غير أرثوذكسي يعتمد على العاطفة والوجدان فيفجر لديهم طاقة نفسية سرعان ما تخبو وتفتر:
(2) الاستشهاد بأسماء لها ثقل:
أيضاً من ضمن أشكال الإيحاء المستخدمة ما نجده عند البعض عندما يطرح موضوعاً من الموضوعات على الآخرين فإنه يعمل على الاستشهاد بأسماء بعض الأشخاص الموثوق في فكرهم ورؤيتهم، وباعتبار أن لهم ثقف فكري ومعنوي في المجال للنقاش وذلك بغرض الإيحاء بأهمية وقيمة ما يقول. وهنها نجد أن الأفكار المطروحة تستمد قيمتها بعدد الأسماء التى تم الاستشهاد بها ولا بما احتوته من قيمة حقيقية.
(3) السؤال الموحي بالإجابة:
أن المستخدم لهذا الشكل من أشكال الإيحاء نجده يحاول من خلال مناقشته لأمر من الأمور مع الآخرين يطرح سؤلاً يمثل تحدياً لهم، وفي نفس الوقت يوحي لهم بالإجابة التى يود هو أصلاً سماعها منهم من خلال صيغة السؤال المطروح التى تتضمن الإجابة. فمثلاً نجد الشخص الذي يود أن يعطي انطباعاً لصديق له بعدم جدوى الذهاب للكنيسة يقول له: هل تذهب إلى الكنيسة أم أنك تأخرت عن الموعد المحدد؟ أو يقول: لماذا تذهب للكنيسة رغم أن مشاكلك لم تحل؟
وهكذا ففي الحالة الأولي مثلاً نجده يوحي له بأن الوقت تأخر .. وفي الحالة الثانية يوحي بأنه يوجد علاقة مباشرة بين التردد على الكنيسة وحل المشاكل الخاصة للإنسان، وفي الحالتين فإننا نجد صاحب السؤالين يحاول أن يضمن الإجابة التى يود سماعها في مسئوليه المطروحين بحيث يعوق صديقه عن التفكير تماماً في جوهر المسار بصورة منهجية ومنطقية فتأتي إجابته لا كمحصلة لتفكير ولكن في حدود الإجابة الموحية التى يريدها السائل.
أصدقائي .. لاشك أن المتأمل لكثير من الحوارات التى تتم بيننا وبين الآخرين سوف يلمح اعتماد البعض على أسلوب "الإيحاء" باعتباره أسلوباً لا يجهد صاحبه كثيراً بل يكاد يعفيه من أن يفكر تفكيراً سليماً. ومنظماً ومنهجياً فيما يتعرض له من أمور وما يطرحه على الآخرين من موضوعات بل تصبح المسالة كلها محصورة في اختيار الشكل الإيحائي الأمثل الذي يقنع الآخرين من دون جهد حقيقي.
لذا فإن دعوتنا لكم جميعاً هو أن تكون لدينا قدرة حقيقية ذاتية تحصننا من الوقوع في أسر الإيحاء.
الخميس أغسطس 28, 2008 11:13 am